هكذا تحدث ناجي عن حنظلة :
إنه شاهد العصر الذي لا يموت … الشاهد الذي دخل الحياة عنوة ، و لن يغادرها أبدا ، إنه الشاهد الأسطورة ، و هذه الشخصية غير قابلة للموت ، ولدت لتحيا …. وتحدت لتستمر .
وهذا المخلوق الذي ابتدعته يا ناجي لن ينتهي من بعدك بالتأكيد ..
ومن ينسي الصبي الصغير حنظلة؟! الصبي الذي يقف ويعطينا ظهره ويداه مشتبكتان ينظر إلي كل هذا الظلم كل هذا القبح الذي تعج به الدنيا، قميصه مرقع، وشعره كأنه الشوك، كأنه الصبار الذي مرر حياتنا ومنحه اسمه «حنظلة».
أن حنظلة كان يعبر عن ناجي نفسه فقد خرج ناجي من مدينة الناصرة وهو في سن حنظلة وعاش تجربة المخيم وبدأ وعيه السياسي والحياتي يتفتح علي التوق إلي الحرية وحين قدمه للقراء قدمه علي أنه هويته ويعرفه بقوله «اسمي حنظلة» واسم أبي «مش ضروري»، أمي اسمها النكبة.. جنسيتي أنا مش فلسطيني، مش أردني، مش كويتي، مش مصري، مش حدا... إلخ.. باختصار معيش هوية ولا ناوي.. محسوبك إنسان عربي لهجته مصرية وفلسطينية وسودانية.. وما سبق ربما يبدو تعبيرا عن أفكار ناجي نفسه وليس أفكار حنظلة وحده.
ويقف متحديا وسط الركام الذي خلفته طائرات العدو. ويطالب فاطمة بمحاسبة من تخاذل وقصر . وتقول فاطمة :
"حنظلة عد إلي … اشتقت إليك … و الشوق مع الحرمان يجفف عروق الروح و البدن … أحتاجك … أحتاج غضبك لأحيا ، أحتاج إلى رقتك لأنام … احتاج سخريتك لأبكي … حنظلة … هل طال شعر شواربك كثيرا ؟ أكيد صار متدليا على صدرك … ألم تقل يوما : بشرفي لأحلق شورابي إذا حررت الأنظمة شبرا من القدس .
عد يا حنظلة لأغسلك بالصابون النابلسي … فاؤلئك يرسلون لنا الصابون الأمريكي لنغسل فيه عارنا …
و أبشرك صار الحاكم ديمقراطيا … و يحتفل بعيد العمال … يرتدي لباسهم … أما العمال فما زالوا عاطلين عن العمل … و لا يجدون ما يسترون به عوارتهم …عد لتشهد في الغد ثورة الجياع .
عد يا حنظلة و مزق جواز سفر يصرح لحامله بالإقامة الجبرية و لا يسمح له بالعمل و لا يسمح له بالتنفس ، و لا تدري نفس بأي أرض تموت ، عد و غني كما كنت تعود من التحقيق :
ممنوع من السفر ممنوع من الغنا
ممنوع الاشتياق ممنوع من الاستياء
و كل يوم في حبك تزيد الممنوعات
و كل يوم بحبك أكثر من اللي فات
أ تدري يا حنظلة … إنهم الآن متفقون … كلهم متفقون … متفقون على كل شيء، لكنهم مختلفون على نقطة أخيرة ، على أي خازوق يجب أن يقعدونا … لكنهم لا يعلمون أن الأشجار تموت واقفة… لا قاعدة ."(1)
قام ناجي بتحريك حنظلة بحركة خفية واضحة، يباغتنا بها ولا نكاد نحسها من خفة هذه الحركة. وكشاهد على عصره، كان يدير لنا ظهره ليوجه عيوننا وعقولنا لنرى حيث يرى ولندرك ما يدرك، إلا انه لم يكن يطيق ان يقف شاهدا فحسب، وان كان يكتفي «حنظلة» بالمراقبة في أكثر الأحيان .. ولكنه ليس مراقبا صامتا .. ورغم ضراوة الأحداث والصراع، يقف شاهدا عليها في انتظار انبلاج الأمل من ليل طويل، فهو يتحرك في اللحظات الحرجة، عندما تصل الأمور الى حد لا يطاق او عندما يشتد الوطيس أو يستبد به الحزن والأسى والألم والغضب، فنراه يبادر ويشارك بالحدث ويعبر عنه بقول أو فعل .. فهو دائم الحركة على خشبة مسرح الاحداث وله دور حقيقي عليها .. فهو يناقش ويكتب باللغة العربية ولغات أخرى، بل ويترجم أيضا .. كما يكتب جملة متحدية هنا وهناك او اغنية شعبية، وأكثر من ذلك يلعب الكاراتيه، كما يقضي جل اوقاته مع الأطفال في المخيمات ويقدم اليهم المساعدة ان اقتضت الحاجة لذلك. كما يقدم العون للكادحين الذين ينتمي اليهم .. ويرتفع مع العلم القومي على السارية لينزل علم العداء..
وأثناء خروج المقاومة من بيروت كان يقدم الزهور لهذه المدينة الباسلة ويقبل يدها الجريحة. بل أكثر من ذلك بشر بالثورة وبالانتفاضة. لقد كان حنظلة من البداية نشيطا .. لا يتحدث ولا يتحرك إلا إذا اقتضت الحاجة لذلك، فرفض قرارات الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي واعتبرها باطلة .. ورفض ايضا الحكم الذاتي من خلال مشاركته الى جانب حناظلة فلسطين. المعنى الإيجابي لحنظلة لقد تعامل «حنظلة» مع الواقع بشجاعة خالية من أي رياء أو كذب، أو نفاق، يقول ناجي العلي: لقد حاولت من خلال مواقفه ان أبرز القضايا التي يتبناها .. فهو لن يخسر شيئا، لانه فقير كادح ومسحوق، ويمتلك القدرة على التحدي والتصدي، فهو عندما يرصد تحركات أعداء الأمة، ويكشف كافة المؤامرات التي تحاك ضدها، يتبين كم لهذا الطفل من اسهامات ايجابية .. وهذا هو المعنى الايجابي. هذا ما أراده ناجي لـ «حنظلة» مقاتلا مناضلا ورافضا كل ما يجري ضد هذه الأمة من المحيط الى الخليج .. فموقفه بمثابة رسالة اجتماعية سياسية .. ذات اهداف معينة. يقول «ناجي»: عندما تصبح الكرامة العربية غير مهددة، وعندما يسترد الانسان العربي شعوره بحريته وانسانيته ومع ذلك يبقى التعب الكبر هو مواصلة المشوار بكل ما فيه من تناقضات وهمم، ويبقى في الأعماق تعب الوطن الذي يبشر به «حنظلة» بكثير من الأمل.
وهكذا كان «حنظلة» يعد بالنسبة لناجي العلي ظاهرة وهو أكثر من رزم او توقيع يذيل به رسومه، فقد ولد مع ناجي ولازمه دوما ورافقه في كافة مراحل حياته بحلوها ومرها. من استقباله بالتهديدات والسجن والطرد والنفي الى ان استقبل الموت. لكن «حنظلة» يستمر بالحياة وتصدق نبوءة ناجي، عندما قال «هذا المخلوق الذي ابتدعته لن ينتهي من بعدي بالتأكيد وربما لا أبالغ إذا قلت انني قد استمر به بعد موتي».
لقد رسم ناجي عشرات اللوحات التي تصور مجد الحجر الفلسطيني في يد «حنظلة»، ولم يبالغ ناجي العلي، ولم تخطىء حدوسه .. فاستمرارية «حنظلة» التي رمى اليها قبل استشهاده، فها هي تتحقق في انتفاضة الأقصى المباركة. حيث يخوض «حنظلة» الى جانب «حناظلة» فلسطين حرب الحرية والاستقلال. هكذا قدم ناجي العلي «حنظلة» بصورة بسيطة محببة للقلوب، فأصبح صوت الناس البسطاء وضميرهم الذي استقبلوه بمحبة كانت تكبر يوما بعد يوم .. حيث سرق الأضواء «بلغة السينما» وتعرف عليه الملايين من داخل الوطن العربي وخارجه ممن يرون ذاتهم فيه كأحد ابطالهم الذي وقف الى جانب الحرية وكل معانيها العامة التي بشر بها «ناجي».(2)
(1) ، غنام، مسرحية البحث عن حنظلة،الأردن- عمان،2002
(2) : صحيفة الوطن القطرية
من كتاب حنظلة شاهد العصر الذي لا يموت /مصطفى دعمس
إنه شاهد العصر الذي لا يموت … الشاهد الذي دخل الحياة عنوة ، و لن يغادرها أبدا ، إنه الشاهد الأسطورة ، و هذه الشخصية غير قابلة للموت ، ولدت لتحيا …. وتحدت لتستمر .
وهذا المخلوق الذي ابتدعته يا ناجي لن ينتهي من بعدك بالتأكيد ..
ومن ينسي الصبي الصغير حنظلة؟! الصبي الذي يقف ويعطينا ظهره ويداه مشتبكتان ينظر إلي كل هذا الظلم كل هذا القبح الذي تعج به الدنيا، قميصه مرقع، وشعره كأنه الشوك، كأنه الصبار الذي مرر حياتنا ومنحه اسمه «حنظلة».
أن حنظلة كان يعبر عن ناجي نفسه فقد خرج ناجي من مدينة الناصرة وهو في سن حنظلة وعاش تجربة المخيم وبدأ وعيه السياسي والحياتي يتفتح علي التوق إلي الحرية وحين قدمه للقراء قدمه علي أنه هويته ويعرفه بقوله «اسمي حنظلة» واسم أبي «مش ضروري»، أمي اسمها النكبة.. جنسيتي أنا مش فلسطيني، مش أردني، مش كويتي، مش مصري، مش حدا... إلخ.. باختصار معيش هوية ولا ناوي.. محسوبك إنسان عربي لهجته مصرية وفلسطينية وسودانية.. وما سبق ربما يبدو تعبيرا عن أفكار ناجي نفسه وليس أفكار حنظلة وحده.
ويقف متحديا وسط الركام الذي خلفته طائرات العدو. ويطالب فاطمة بمحاسبة من تخاذل وقصر . وتقول فاطمة :
"حنظلة عد إلي … اشتقت إليك … و الشوق مع الحرمان يجفف عروق الروح و البدن … أحتاجك … أحتاج غضبك لأحيا ، أحتاج إلى رقتك لأنام … احتاج سخريتك لأبكي … حنظلة … هل طال شعر شواربك كثيرا ؟ أكيد صار متدليا على صدرك … ألم تقل يوما : بشرفي لأحلق شورابي إذا حررت الأنظمة شبرا من القدس .
عد يا حنظلة لأغسلك بالصابون النابلسي … فاؤلئك يرسلون لنا الصابون الأمريكي لنغسل فيه عارنا …
و أبشرك صار الحاكم ديمقراطيا … و يحتفل بعيد العمال … يرتدي لباسهم … أما العمال فما زالوا عاطلين عن العمل … و لا يجدون ما يسترون به عوارتهم …عد لتشهد في الغد ثورة الجياع .
عد يا حنظلة و مزق جواز سفر يصرح لحامله بالإقامة الجبرية و لا يسمح له بالعمل و لا يسمح له بالتنفس ، و لا تدري نفس بأي أرض تموت ، عد و غني كما كنت تعود من التحقيق :
ممنوع من السفر ممنوع من الغنا
ممنوع الاشتياق ممنوع من الاستياء
و كل يوم في حبك تزيد الممنوعات
و كل يوم بحبك أكثر من اللي فات
أ تدري يا حنظلة … إنهم الآن متفقون … كلهم متفقون … متفقون على كل شيء، لكنهم مختلفون على نقطة أخيرة ، على أي خازوق يجب أن يقعدونا … لكنهم لا يعلمون أن الأشجار تموت واقفة… لا قاعدة ."(1)
قام ناجي بتحريك حنظلة بحركة خفية واضحة، يباغتنا بها ولا نكاد نحسها من خفة هذه الحركة. وكشاهد على عصره، كان يدير لنا ظهره ليوجه عيوننا وعقولنا لنرى حيث يرى ولندرك ما يدرك، إلا انه لم يكن يطيق ان يقف شاهدا فحسب، وان كان يكتفي «حنظلة» بالمراقبة في أكثر الأحيان .. ولكنه ليس مراقبا صامتا .. ورغم ضراوة الأحداث والصراع، يقف شاهدا عليها في انتظار انبلاج الأمل من ليل طويل، فهو يتحرك في اللحظات الحرجة، عندما تصل الأمور الى حد لا يطاق او عندما يشتد الوطيس أو يستبد به الحزن والأسى والألم والغضب، فنراه يبادر ويشارك بالحدث ويعبر عنه بقول أو فعل .. فهو دائم الحركة على خشبة مسرح الاحداث وله دور حقيقي عليها .. فهو يناقش ويكتب باللغة العربية ولغات أخرى، بل ويترجم أيضا .. كما يكتب جملة متحدية هنا وهناك او اغنية شعبية، وأكثر من ذلك يلعب الكاراتيه، كما يقضي جل اوقاته مع الأطفال في المخيمات ويقدم اليهم المساعدة ان اقتضت الحاجة لذلك. كما يقدم العون للكادحين الذين ينتمي اليهم .. ويرتفع مع العلم القومي على السارية لينزل علم العداء..
وأثناء خروج المقاومة من بيروت كان يقدم الزهور لهذه المدينة الباسلة ويقبل يدها الجريحة. بل أكثر من ذلك بشر بالثورة وبالانتفاضة. لقد كان حنظلة من البداية نشيطا .. لا يتحدث ولا يتحرك إلا إذا اقتضت الحاجة لذلك، فرفض قرارات الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي واعتبرها باطلة .. ورفض ايضا الحكم الذاتي من خلال مشاركته الى جانب حناظلة فلسطين. المعنى الإيجابي لحنظلة لقد تعامل «حنظلة» مع الواقع بشجاعة خالية من أي رياء أو كذب، أو نفاق، يقول ناجي العلي: لقد حاولت من خلال مواقفه ان أبرز القضايا التي يتبناها .. فهو لن يخسر شيئا، لانه فقير كادح ومسحوق، ويمتلك القدرة على التحدي والتصدي، فهو عندما يرصد تحركات أعداء الأمة، ويكشف كافة المؤامرات التي تحاك ضدها، يتبين كم لهذا الطفل من اسهامات ايجابية .. وهذا هو المعنى الايجابي. هذا ما أراده ناجي لـ «حنظلة» مقاتلا مناضلا ورافضا كل ما يجري ضد هذه الأمة من المحيط الى الخليج .. فموقفه بمثابة رسالة اجتماعية سياسية .. ذات اهداف معينة. يقول «ناجي»: عندما تصبح الكرامة العربية غير مهددة، وعندما يسترد الانسان العربي شعوره بحريته وانسانيته ومع ذلك يبقى التعب الكبر هو مواصلة المشوار بكل ما فيه من تناقضات وهمم، ويبقى في الأعماق تعب الوطن الذي يبشر به «حنظلة» بكثير من الأمل.
وهكذا كان «حنظلة» يعد بالنسبة لناجي العلي ظاهرة وهو أكثر من رزم او توقيع يذيل به رسومه، فقد ولد مع ناجي ولازمه دوما ورافقه في كافة مراحل حياته بحلوها ومرها. من استقباله بالتهديدات والسجن والطرد والنفي الى ان استقبل الموت. لكن «حنظلة» يستمر بالحياة وتصدق نبوءة ناجي، عندما قال «هذا المخلوق الذي ابتدعته لن ينتهي من بعدي بالتأكيد وربما لا أبالغ إذا قلت انني قد استمر به بعد موتي».
لقد رسم ناجي عشرات اللوحات التي تصور مجد الحجر الفلسطيني في يد «حنظلة»، ولم يبالغ ناجي العلي، ولم تخطىء حدوسه .. فاستمرارية «حنظلة» التي رمى اليها قبل استشهاده، فها هي تتحقق في انتفاضة الأقصى المباركة. حيث يخوض «حنظلة» الى جانب «حناظلة» فلسطين حرب الحرية والاستقلال. هكذا قدم ناجي العلي «حنظلة» بصورة بسيطة محببة للقلوب، فأصبح صوت الناس البسطاء وضميرهم الذي استقبلوه بمحبة كانت تكبر يوما بعد يوم .. حيث سرق الأضواء «بلغة السينما» وتعرف عليه الملايين من داخل الوطن العربي وخارجه ممن يرون ذاتهم فيه كأحد ابطالهم الذي وقف الى جانب الحرية وكل معانيها العامة التي بشر بها «ناجي».(2)
(1) ، غنام، مسرحية البحث عن حنظلة،الأردن- عمان،2002
(2) : صحيفة الوطن القطرية
من كتاب حنظلة شاهد العصر الذي لا يموت /مصطفى دعمس
سامر أمين
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق