فلسطين - قضية احتلال فلسطين هي قضية قضايا المسلمين

اعداد : الأستاذ مصطفى دعمس
قضية احتلال فلسطين هي قضية قضايا المسلمين في عصرنا هي الألم الذي يشعر به كل مؤمن في أى مكان من أرض الله، فقد ابتليت فلسطين بعدوان جديد وباحتلال فريد ألا وهو الاحتلال الصهيوني الاسرائيلي الغاصب الذي قال من قال فيه أن الصهيونية أعلى مراحل الاستعمار. ويتميز هذا التخريب الصهيوني عن جميع الاحتلالات السابقة بميزات تفرد بها.
فهو أولا استعمار إحلالى: يريد تفريغ البلاد من أهلها ليحل هو محلهم ما استطاع، ويزعجه أن يرى معدل المواليد العرب  أعلى منه لدى اليهود وهو يريد أن يقضي على العنصر العربى فيها، وقد صرح بهذا ساستهم ومفكروهم مثل البروفسور بن زيون الذي أعلن أنه ليس في بلادنا متسع لشعبين.
وهو ثانيا استعمار توسعى: فاليهود لا يقف أمام حد من الحدود فهم يريدون دولتهم من النيل إلى الفرات، وقد وضعوا خريطة من النيل إلى الفرات في الكنيست. ولما سئلت غولدا مائير عن حدود دولة إسرائيل كما تراها فقالت عندما نصل إلى الحدود سنخبركم.  وقال موشيه ديان عقب احتلال القدس: الآن أصبح الطريق مفتوحا أمامنا إلى المدينة ومكة.
وهو ثالثا استعمار عنصرى: وفي تصريح سابق لبعض رؤساء أركانهم، قال إن من يتهم البيض في جنوب افريقيا بالعنصر كذاب السود هناك هم الذين يريدون أن يتحكموا في الأقلية البيضاء تماما مثلما يريد العرب أن يتحكموا فينا. فهو شعب قائم على العنصرية وإنه شعب الله المختار وإن بقية الشعوب قد خلقت لتكون في خدمته وتعمل من أجل سعادته.
وهو رابعا استعمار ظالم: وهذه ظاهرة للعيان لكل من يتابع ظلمهم ومكرهم بالشعب العربى عامة والفلسطينى خاصة.
وهو خامسا استعمار إرهابى: الإرهاب لحمته وسداه. الإرهاب هو الذي مهد لقيام دولة اسرائيل منذ عهد العصابات المعروفة الهاغاناة والأرجون والاسترن التي اقترفت الفظائع([1]).


وقد تم لهذه الوحشية الصهيونية التي تميزت بهذه الميزات وغيرها كثير من احتلال هذه البقعة من أرض الإسلام بعد أن تمالأت قوى البغي العالمية([2]) على التحالف مع الصهيونية لأجل بناء وطن قومي لهم في قلب العروبة والإسلام. "آمنا الآن بأن العالم المتحضر قد تهود، وآمنا بأن السحر الذي أبطله موسى قد أحياه اشياعه، ولكن بغير أدواته. أبطله بعصا الخشب وأحيوه بجبال الذهب. وآمنا بسفسفة القضايا العقلية التي تحيل اجتماع الضدين حين رأينا التضاد يجمع طرفيه في دائرة مغناطيسية فإذا هو ممكن. وإذا عقيدة الصلب للمسيح والتأليه له تجتمعان في هالة من البريق المعشي للأبصار والبصائر فكأنه لا تأله ولا صلب، كل ذلك لأنه لا ضمير ولا قلب"([3]).
فقد اصدرت الحكومة البريطانية الصليبية "وعدا يسمى بوعد بلفور بتاريخ 2 اكتوبر 1917"([4]) الذي قطعت فيه عهدا على نفسها أن تقيم لليهود وطنا قوميا في فلسطين. ووعد بلفور يمثل بالنسبة إلى الحركة الصهيونية واليهودية والعالمية محطة هامة سياسياً وتنظيميما وتنفيذيا.
فالحركة الصهيونية كانت ترى ان لها حقا في فلسطين([5]). لأنها حسب زعمها هي ارض الميعاد وفي هذه الدعوة من التناقض والمخالفة للتاريخ أمور كثيرة ولكن ليس هذا البحث موضع تفصيليها. ووالله " لو ان السيوف الانجليزية أغمدت والذهب الصيهونى رجع إلى مكانه، وعرضت القضية على مجلس عدل وعقل لا يستهويه بريق الذهب ولا يرهبه بريق اليسوف لقال القانون أن ثلاثة عشر قرنا كافية للتملك بطريق الحيازة وقال الدين إن أحق الناس بمدافن الأنبياء هم الذين يؤمنون بجميع الأنبياء، وقال التاريخ إن العرب لم ينزعوا فلسطين من اليهود ولم يهدموا لهم فيها دولة قائمة ولا فلوا لهم عرشا مرفوعا وإنما انتزعوها من الرومان فهم أحق بها من كل إنسان."([6])
لكن السياسات العالمية التي لا دين لها إلا دين المصلحة ولا مبدأ لديها إلا مبدأ المنفعة قررت أن تعطى ما لا تملك لمن لا يستحق، تعطي فلسطين لليهود. وكان سر ذلك " أن وزير الخارجية البريطانية في عهد لويد جورج تعهد للدكتور حاييم وايزمان بإقامة وطن قومى لليهود في فلسطين ثمنا لبعض التجارب الكيماوية التي تقدم بها العلامة اليهودى في سبيل المجهود الحربي للحلفاء وأهمها اكتشاف نوع من المتفجرات التي كان هؤلاء بحاجة قصوى إليها. وأبى وايزمان أن يقبل مقابل عمله شيئا من المكافأة واقتصر على طلب واحد هو إقامة وطن قومي لليهود في فلسطين فأجيب إلى طلبه"([7]).
وبدأت الحكومة البريطانية منذ ذلك الوعد تخطط لإدخال اليهود إلى فلسطين وتساعد في تهجيرهم إلى فلسطين بكل ما أوتيت من مكر ودهاء([8]) حتى صدر قرار التقسيم في 29/11/1947 والذي أعطى " الدولة اليهودية" الجزء الساحلي من البلاد والجليل الشرقي، وبعده انتزع اليهود بقوة السلاح وخروجا على قرار الأمم المتحدة الجليل الغربي. وهذه المنطقة تقام فيها سكة الحديد الرئيسية في فلسطين وفيها ميناء حيفا الهام وفيها ميناء يافا الذي يليه أهمية، وكذلك البساتين ومنابع نهر الأردن([9]). وتم قيام دولة الكيان اليهودي المغتصب سنة 1948 لتصبح شوكة في حلق كل مؤمن وخنجرا في ظهر كل مسلم. لكن هيهات، "إن غرس صهيون في فلسطين لا ينبت وإذا نبت فإنه لا يثبت، فانتظروا إنا معكم من المنتظرين"([10]). وإن اللص الذي ينام ويده على سلاحه لا يستطيع من الخوف أن يستسلم للمنام، فكيف يشعر اليهود بالأمن والاستقرار في فلسطين ونحن لهم بالمرصاد وكلما ولد مولود لنا لقناه مع لبن الأم الاستعداد لحربهم وتطير أرضنا من رجسهم"([11]).
لم تمر فترة على الصهيونية منذ وطئت أرض فلسطين هدأ لها فيها بال ولا قر لها قرار، ويستحيل ان تهنأ بعدوانها واحتلالها ما دام الله في السماء وما دامت امه الإسلام الأرض، فقضية فلسطين تختلف عن كل هذه القضايا "لأنها عقيدة في قلب كل مسلم. هل سمعتم أو قرأتم أن عقيدة يحملها في قلبه مليار وخمسمائة إنسان يمكن أن تموت.
إن الناس يموتون في سبيل العقيدة وما ماتت عقيدة قط من أجل حياة إنسان([12]). ومن أجل ذلك هب الشعب الفلسطيني منذ أذيع وعد بلفور وفتحت الهجرة لليهود، فحمل راية الجهاد منذ أبريل 1920 فبدأت بثورات ومظاهرات دامية، واستمر حتى اضطرت بريطانيا أن توقف الهجرة اليهودية مؤقتا. وفي 15 أغسطس تقدمت حشود يهودية نحو حائط البراق بجوار المسجد الأقصى لمحاولة احتلال الحائط كانوا ينشدون نشيدهم الحائط حائطنا.
فخرج المسلمون بعد صلاة الجمعة من الحرم الشريف وأحرقوا منضدة الشماس اليهودي والاستراحات التي يضعها اليهود في ثقوب الحائط. وهكذا كانت تتابع الثورات وتتوالى المظاهرات والمؤتمرات والانتفاضات([13]) التي ضرب فيها مسلمو فلسطين أروع الأمثلة في التضحية والثبات والبذل والعطاء حتى أجبروا الأعداء على الاعتراف ببطولتهم. "وهذا هتلر يوجه رسالة إلى ألمان السوديت عام 1936 قائلا اتخذوا يا ألمان السوديت من عرب فلسطين قدوة لكم، إنهم يكافحون انجلترا واليهودية العالمية ببسالة خارقة وليس لهم في الدنيا نصير أو مساعد، أما انتم فان الدنيا كلها من ورائكم وها هو الجنرال ولسون وكان قائد بريطانيا في بعض معارك فلسطين يشهد " إن خمسمائة من ثوار عرب فلسطين يقومون بحرب العصابات لا يمكن التغلب عليهم بأقل من فرقة بريطانية كاملة السلاح"([14]).



[1] انظر:
-    القدس قضية كل مسلم. د. يوسف القرضاوى ص 136- 142 ط دار الشروق، سنه 1989م
-    مخاطر الوجود اليهودي على الأمة الاسلامية د. محمد عثمان شبير. ص 14- 29 ط دار المنار بالكويت 1413.
-    الطريق إلى بيت المقدس د. جمال الدين عبد الهادى ج2 ط دار الوفاء سنه 1421هـ، 2001م.
[2] حتى أن العلماء والمفكرين المزورين ساعدوا أو تحالفوا على إيجاد هذا الكيان، وبلغت الجرأة والوقاحة ببعضهم مثل فيليب حتي النصرانى اللبناني العربي المتأمر، أن يقول أمام لجنة التحقيق الأنجلو أمريكية بشان فلسطين "ليس هناك شيء اسمه فلسطين فى التاريخ مطلقا".  ولما ذهبت اللجنة إلى القدس واجتمعت بالأمين العام للوكالة اليهودية يومئذ بن غوريون على أن ذكرهم بما قاله فيليب حتي وقال بأنه يكتفى بقوله عن الواقع. انظر.. مجلة الأمة القطرية ع 47 ص 26 سنه 1404هـ/ 1984م.
[3] آثار الشيخ الابراهيمى رحمه الله 3/457. وكيف دقت أجراس الكنائس فى برلين عاصمة ألمانيا فرحا بدخول الانجليزى القدس وكيف دعا البابا أتباعه فى العالم أن يقدموا الشكر للمسيح بمناسبة احتلال القدس. انظر.. جهاد شعب فلسطين 65، 68.
[4] انظر فى هذا الوعد: فلسطين والمؤامرة الكبرى، للاستاذ مصطفى طحان ص 86 ط المركز العالمى للكتاب بالكويت، سنة 1994م.
[5] انظر فى دحض هذه الحق كتاب نقض ادعاءات اليهود بأحقيتهم فى القدس، محمد عبد العظيم على، ط دار الابداع سنه 1424- 2004، اليهود وتحالف الاقوياء. كتاب الامة ص 146 وبعدها.
[6] اثار الشيخ الابراهيمى رحمه الله 3/437- 438
[7] انظر حركة رشيد عالى الكيلانى عثمان حداد، المكتبة العصرية وقد نقل المؤلفا هذا السر من مذكرات لويد جورج التى نشرت سنه 1938.
وانظر بالتفصيل عن حياة وايزمان وجهوده الخسيسة لإقامة دولة إسرائيلية فى فلسطين فى كتاب صورة العرب في الصحافة البريطانية د. حلمى خضر سارى ص 151- 159، ط مركز الدراسات العربية 1988.
[8] انظر .. الطريق إلى بيت المقدس، د/ جمال عبد الهادى 2/67، فلسطين والمؤامرة الكبرى ص 121-125.
[9] انظر موسوعة العالم الاسلامى ص 406
[10] اثار الابراهيمى 3/ 444.
[11] هتاف المجد ص 18.
[12] هتاف المجد ص 19.
[13] انظر:   - الطريق إلى بيت المقدس 2/75 وبعدها،
- جهاد شعب فلسطين خلال نصف قرن ص 85 فصل شعب فلسطين يواجه المحنة.
[14] السابق 2/ 91. 

ليست هناك تعليقات: